إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
88504 مشاهدة
الرافضة وتحريفهم للآيات

يقول: فسروا القرآن بأنواع لا يقضي العالم منها عجبا، يعني تفاسيرهم التي فسروا بها القرآن يتعجب منها مجرد الفاهم الذي معه فهم، لحملهم تلك الآيات ذكر هذه الأمثلة، تفسير الرافضة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ يقولون: ( يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) هما أبو بكر وعمر ؛ هكذا قالوا لعنهم الله. بمعني أن أبا بكر وعمر هما اللذان يصليان نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ .
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ أي أشركت بين أبي بكر وعلي في الخلافة. الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تجعل أبا بكر شريكا لعلي في الخلافة فإذا أشركتهم حبط عملك، تعالى الله عن قولهم، أي: أن الشرك ظاهر في شرك التنديد.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالوا: هي عائشة هكذا قالوا لعنهم الله. وكذلك فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي طلحة والزبير ؛ لأنهم الذين قاتلوا في الجمل. مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فسروا البحرين بعلي وفاطمة يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ الحسن والحسين، هذه عجائب.
يعني: كيف ذهبوا إلى هذه التفاسير، وهذه التفاسير موجودة. ذكر بعض الزملاء أنه اطلع على كتاب من كتبهم في إيران وفيه هذه العجائب التي لا يقضي منها العالم عجبا، مطبوع ومشتهر بينهم معترف به، ويعتنون به ويكثرون قراءته ويقرونه، ومع ذلك يقال: أين العقول؟ هل عندما نزلت هذه الآيات هل كانت هذه الأمور موجودة؟
لما يعني: نزل إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً القصة في قصة موسى فكيف يحملونها على عائشة قاتلهم الله. وكذلك تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ معلوم أن السورة نزلت في أبي لهب الذي ذكر الله، وقال: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فكيف يجعلون يديه أبا بكر وعمر ؟
كذلك قولهم: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ قالوا: الإمام هنا علي الآية نزلت في مكة فسورة يس مكية فعلي في ذلك الوقت كان صغيرا، فكيف يقولون: إنه هو إمام مبين؟.
و عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ قالوا: النبأ العظيم هو علي وكل هذه أقوال بعيدة عن الصواب لا يقضي منها العالم عجبا. وكذلك قولهم: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ يقول ابن المطهر أجمعوا على أنها نزلت في علي لما تصدق بخاتمه وهو راكع. وناقشه شيخ الإسلام في المنهاج، منهاج السنة وبين أنها بعيدة أن تنزل في علي وأن التصدق في الركوع غير مشروع؛ وذلك لأن الراكع في عبادة والحركة قد تقلل أثر العبادة .
يقول: يذكرون حديثا موضوعا بإجماع أهل العلم، تصدقه بخاتمه في الصلاة حديث موضوع. كذلك قوله: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ أنها نزلت في علي لما أصيب بحمزة مصاب النبي صلى الله عليه وسلم بحمزة أعظم من غيره؛ لأنه من أول من أسلم من أقاربه فكيف يقولون: إنها نزلت في علي خاصة؟ ثم ذكر أيضا أن هناك من قاربهم في مثل هذه الحكايات يعني من حمل الآيات ما لا تحتمل.
ومما يقارب هذا من بعض الوجوه ما يذكره كثير من المفسرين مع أنهم من أهل السنة أو نحوهم فيفسرون قوله تعالى: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ في سورة آل عمران، أن الصَّابِرِينَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَالصَّادِقِينَ أبو بكر وَالْقَانِتِينَ عمر وَالْمُنْفِقِينَ عثمان وَالْمُسْتَغْفِرِينَ علي وهذا خطأ. الآية عامة لكل من كان متصفا بهذه الصفات سواء من الصحابة أو من بعدهم.
وكذلك يفسرون قوله في سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أبو بكر أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ عمر رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ عثمان تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا علي وهذا أيضا خطأ، الآية عامة في الصحابة رضي الله عنهم ليس في الخلفاء هؤلاء.
وأعجب من ذلك قول بعضهم: وَالتِّينِ أبو بكر وَالزَّيْتُونِ عمر وَطُورِ سِينِينَ عثمان وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ علي الآية مكية وليس فيها تطرق لهؤلاء، وإنما أقسم الله تعالى بهذا أقسم بهذا النبات وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ الذي هو المعروف. التين نبات معروف وثمر معروف، والزيتون كذلك أيضا معروف، وَطُورِ سِينِينَ الجبل المعروف الذي هو طور سيناء وَهَذَا الْبَلَدِ مكة .